وفد بعض الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: “آمنا من غير قتال, ولم نقاتلك كما قاتلك غيرنا”، فنزل فيهم قوله تعالى: يمنون عليك أن أسلموا… فنفت الآية عنهم الإيمان، وختمت بالتساؤل حول صدق دعواهم… ولم يزل المن مذموما عند أهل الفضل، مبطلا للصدقات.. لذلك حذرنا الحسيب الرقيب منه… فما بال أستاذ “الأخلاق” يأتيه موصولا بالأذى!!! “شخصيا قدمت للنظام الموريتاني الجديد، كما قدم له كثيرون، ما يكفي من << أفانص En français dans le texte>> حسن الظن، ولست أنوي المزيد من ذلك،…” “أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى…”
لا ينقطع العجب من حرص القوم؛ ساسة، ومفكرين، على المساومة والمماكسة حتى جعلوا من عربون “حسن الظن” جراية يهددون بقطعها!! فإذا توقف أستاذ “الأخلاق” عن الانفاق من حسن الظن، لم يبق له سوى “ظن الجاهلية”، ولو كان له من الأمر شيء لرفع “السقوف الواطئة”… غير أنه اكتفى، حتى الآن، “باقتحام ساحة النقاشات الحالية في الحزب…”مستهلا نفرته باستدراك.. “رغم أني لست عضوا في حزب تواصل…” جاء الاقتحام على رغم، مكره أخاك لا بطل، فما الذي أرغم عليه؟!
في البنية التنظيمية للقوم، منذ التأسيس، ما يماثل “الجاسوس غير الشرعي” في أجهزة الأمن؛ إطار مدرب تدريبا عاليا لا يعترف الجهاز بوجوده، ويؤدي مهامه تحت غطاء. يحرص هذا العضو على إنكار انتسابه “لست عضوا في حزب…” ليتخفى خلف غطاء المفكر، الصحفي، الناشط في المجتمع المدني، أو يخترق تنظيما سياسيا أو نقابيا حتى يصل إلى هيئاته القيادية. تسند إلى “العضو Freelance” مهام إرسال برقيات مشفرة، وإعادة صياغة مجاملات الخطاب الرسمي، و”اللياقة السياسية”، ليصبح ما استوجب شكر الرئيس “ليس إنجازا، ولا يستحق الثناء في ذاته”، إذ هو من “البدهيات المبتذلة”!! ليقول الحزب ما قال أبو سفيان في مُثلة أحد…
ينقم الشنقيطي من “النظام الموريتاني الجديد” أنه “لم يلاحظ في سلوكه العملي[ تحديد السلوك بالعملي حشو Pléonasme vicieux]… ما يبشر بالخير عن نقلة إيجابية… كنت أتوقعها وأتمناها.” لم يكتف “النظام الموريتاني الجديد” بإبطال توقعات الشنقيطي وتبديد أحلامه، وإنما عزز ريبته وشكوكه.. “أسوأ ما يثير ريبتي في النظام الجديد هو علاقته الاستراتيجية الظاهرة والمضمرة بأبو ظبي…” كان الماركسيون يربطون الخطاب بموقع صاحبه الاجتماعي والجغرافي؛ فهو الذي يؤطر زاوية رؤيته، ويسمح له بالكلام عن “النظام الموريتاني الجديد”، حين أخرسه عن أنظمة طالما سلق عليها… يتعلق الأمر إذن بتعويض عن “أفانص” ضاعت في “الربع الخالي” من توثيق الديون، واحتساب الفوائد. صحيح أن “كلمة الشرف” ضمان أكيد بين “رجال محترمين Gentelmen”، لكنها تفقد قيمتها بفقدها “الشرف”، وتفقد الشرف حين تكتب تحت الطلب تشفيا في ميت، أو “اقتحاما” لحقل ألغام دون خريطة!! “…مع اعترافي بأنهم أكثر إحاطة مني بالخريطة…”
يحدد الشنقيطي موقفه الآن من النظام الموريتاني الجديد، مستخدما مثلا حسانيا “ريحة حجرة”. ليغيره بعد الفاصلة “وسأظل متحفظا على أي كلام تسويقي عنه،…” حفاظا على “لحظية” مواقفه. لعل من التناقض تحديد المواقف بالروائح زمن كوفيد، والتحفظ على “التسويق” ممن تحسر على “آفانص” لم تتجاوز حسن الظن!!! ولعل “السقف الواطئ” هو ذلك الذي يسمح للمستأسر تحته برفع عقيرته ضد “النظام الموريتاني الجديد” تعويضا سخيا عن “إلجامه”…
– اسحاق الكنتي