في ذكرى رحيله……محطات مشرقة من حياة الوالد المصلح والمربي الأديب: المرحوم الأستاذ إسلم محمد الهادي
ولد إسلم سنة 1943 في مرابع أهل بومالك قرب البحريات غير بعيد من حاضرة قصر السلام التاريخية لأبيه سيد محمد بن محمد الهادي بن سيد بن الجلالي البومالكي القلاوي
نشأ إسلم في بيئة إجتماعية و علمية مرموقة فوالده سيد محمد محمد الهادي شخصية قيادية وفارس مغوار وشاعر مُجيد ووالدته مات بنت أحمد بن خطري امرأة صالحة ومربية ناجحة وأخوه لأمه الشيخ الفقيه سيد المختار بن شعيب
فكانت هذه البيئة الصالحة قد جعلته مؤهلا ليكون ذلك المصلح والقائد والشاعر و الأديب الأريب الذي كرس حياته لطلب العلم ونشر الثقافة العربية الأصيلة وخدمة الناس بتفان قل نظيره
—–تعليمه المحظري:
تربى إسلم عليه رحمة الله عليه كباقي أبناء مجتمعه في جو عرف أهله بالنبوغ في العلم والتبحر فيه مما جعل ذلك البعد حاضرا لديه منذ نعومة أظافره فبعد أن أكمل تعليمه المحظري الأولي ولى وجهه إلى محاظر اركيبه لينهل من معينها الذي لاينضب فلم تكن ظروف البداوة والظعن في الحيز الجغرافي أنذاك لتحول بينه وبين الأخذ بناصية العلم والتضلع في الثقافة المحظرية الناصعة ومن بين المحاظر التي درس فيها ونهل من معينها:
__محظرة أخيه لأمه القاضي سيد المختار شعيب في علوم القرآن والفقه
__محظرة العلامة محمد محمد الهادي البومالكي في علوم القرآن
__محظرة العلامة القاضي محمد عبد الرحمن سيدعالي في الفقه
__محظرة أهل أحمد الهادي في القرآن والفقه
__ محظرة العلامة حمود متار في علوم اللغة وأصول الفقه
—— تعليمه النظامي :
نظرا لما خص الله به والدنا من همة وطموح كبيرين ترك الديار والأهل متوجها إلى أبي تلميت يوم كان تألقه العلمي والثقافي أوج ازدهاره ففي معهده الشهير حط الرحال بين نظرائه من أبناء الوطن الوافدين ليبدأ بذلك مرحلة جديدة
حيث ترتيب وتنظيم المعارف والعلوم المحظرية ثم الأخذ بناصية المزيد على يد كبار الأساتذة والعلماء الذائعي الصيت
هناك وفي ذلك الجو وبين رعيل من نخبة المجتمع الشنقيطي حديثي العهد بالمدارس النظامية برزت شخصية صاحبنا الفكرية والثقافية واكتشف رفاقه حدة ذكائه وصفاء ذهنه وفطنته ورجاحة عقله مما جعله محل تقدير أساتذته ومعاصريه
أكمل إسلم دراسته وتخرج (بشهادة الكفاءة ) كما تسمى في ذلك الوقت بعد ذلك واصل البحث لكن هذه المرة كانت وجهته خارج الوطن حيث ولى وجهه شطر الديار السورية معقل الثقافة العربية الإسلامية وموطن حركات التحرر فكان له ماأراد ليعود سنة 1968 برصيد علمي غزير وطموحات كبيرة كانت قد شكلت محطة جديده من محطات حياته المليئة بالبذل والعطاء وخدمة الوطن ومرابع الأهل على وجه الخصوص
التحق المرحوم إسلم بعد عودته من سوريا بالمدرسة العليا للأساتذة والمفتشين بانواكشوط سنة 1970 وتخرج عن جدارة واستحقاق أستاذا للأدب العربي والتاريخ
وقد كان رحمه الله من أبرز رواد حركة التعريب في موريتانيا وقد سعى لتكوين جيل وطني متشبث بتقافته وهويته العربية الإسلامية وقد نجح في ذلك بشهادة الجميع
عمل إسلم أستاذا في كل من لعيون وكيفه على مدى خمسة عشر سنة تخرج على يده العديد من أطر ورجالات الدولة في تلك المناطق وغيرها من مناطق البلاد
عين عضوا في المجلس الإقليمي في لعصابه حتى 1978
ثم عين في منتصف ثمانينيات القرن الماضي مستشارا في المعهد التربوي الوطني ثم مديرا للمعهد التربوي الجهوي بلعصابه إلى أن أحيل إلى التقاعد منتصف تسعينات القرن العشرين
وعلى مستوى محيطه الإجتماعي جعلت المكانة العلمية من المرحوم إضافة لما حباه الله به من حسن سلوك وحصافة قائدا وزعيما لمتجمعه الذي أوتي ملكوت التعرف على نسيجه
وكان رحمه الله لايرغب بوصفه بأوصاف القيادة والزعامه ولايرى في نفسه أحقية في ذلك لكن شواهد الواقع وقرائنه تستوجب ذلك بشكل تلقائي
ومن أبرز أدواره الإجتماعية والإقتصادية والسياسية الكثيرة التي يضيق المجال عن حصرها:
—- المساهمة في تأسيس عموم حواضر أهل بومالك منذ نهاية الستينات
___ افتتاح المدارس النظامية في تلك الحواضر التي كان لها الأثر في تكوين أجيال عديدة من الأطر والمثقفين ساهمت في بناء الدولة ولازالت حاضرة في المشهد إلى يومنا هذا
__ من مؤسسي بلدية احسي الطين بتفكيره العميق ونظرته الثاقبة
___تأسيس التعاونيات وجلب المشاريع التنموية إلى المنطقة
من أهم مؤلفاته رحمه الله
–كتاب موريتانيا عبر العصور المرجع المعروف لدى الباحثين الوطنيين
تاريخ قبائل لعصابه
كما يوجد له الكثير من البحوث والمقالات ذات الصلة بالتاريخ والثقافة والتنمية
وله ديوان شعري مرموق كان آخره قصائده
تلك القصيدة الرائعة التي أطلق عليها( الجواله) فقد جالت في مجال أهل بومالك الجغرافي وأظهرت كنوزا من تاريخ الأرض وبينت جوانب عديدة من ذاكرة قوم عظماء في ثوب بديع عكس تمكنه من ناصية القافية وبعده التاريخي الثقافي الأصيل
كان رحمه الله تعالى لايريد علوا في الأرض ولافساد وكان يعمل لمابعد الموت فقد ترك أثرا طيبا وسمعة في نفوس كل من عرفوه
وقد صدق فيه الأديب الوالد زايد الأذان حين قال :
مات أفلال إسلم ==يل يلكيه الراح
مات ال عاش امسلم == مولان من لفظاح
أسلم الروح لباريها في 13 شعبان 1437
الموافق 9 مايو 2017
ودفن في مقبرة الرياض وقد توافد للتعزية فيه عديد الشخصيات الفكرية والرسمية والقيادات القبلية من مختلف أنحاء الوطن وقد رثاه عشرات الشعراء مبرزين مناقبه وخصاله الحميدة
أنزل الله عليه شآبيب الرحمات وأسكنه من الجنة الغرفات وبارك في عقبه
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأستاذ: المصطفى محمد الأمين ديده