قبل عامين، توج عملنا في حملة المرشح الرئاسي حينها فخامة الرئيس محمدولد الشيخ الغزواني بفوزه فى الدور الأول برئاسة الجمهورية. كانت نقاشاتنا مع بعض الأصدقاء، وبعض الشركاء السابقين في العمل السياسي، مستمرة، وكانت كلها تدور حول سؤالين: ما الذي يمكن أن يتحقق؟ وهل رهانكم على المرشح، باعتباره رئيسا مختلفا، في محله؟
الحقيقة أني كنت أدافع بثقة عن موقفي، وكثيرين معي، وبأن الكثير يمكن أن يتحقق، وسيتحقق. وكان لدي بعض التحفظ أحيانا، تمليه تجارب السياسة، والوعي بصعوبة الإنجاز في ظروف مثل ظروف بلد، لا شيء فيه يساعد على إنجازات كبيرة في ظرف وجيز.
ولكني كنت واثقا أننا أمام رئيس مختلف حقا، وسيبني بنفسه النموذج الذي يتناسب مع تاريخه، وطموحه، وتطلعات مواطنيه ورؤيته للبلد والمنطقة والتحديات التي تواجههما. وبعد سنتين أجدني غير محتاج لتأكيد أن إجاباتي على السؤالين، وثقتي في تلك الإجابات في محلها
بعد سنتين من ذلك التاريخ بدت لي موريتانيا مختلفة عما عهدتها عليه، وأنا الذي انخرطت في الشأن العام مذ كنت يافعا.
بدت لي موريتانيا وهي تخطو مسرعة نحو التصالح مع ذاتها، وتصالح بين نخبها السياسية في ظل رعاية عليا للسكينة السياسية. اختفت بين عشية وضحاها لغة التخوين، والتفسيد التي كانت سائدة كلغة تخاطب يومي في طرفي المشهد السياسي، بين الأغلبية الحاكمة والمعارضة. لقد اختفت مع هذه اللغة المفرطة في التفريق بين أطراف المشهد السياسي تلك القطيعة التي كانت بين نخب الوطن السياسية. فلم يعد مجرد اللقاء بين شخصيتين من طرفي المشهد حدثا تنقله الصحافة، لأن لغة التعاون والتناصح عادت، دون أن تنمحي فوارق الخطاب، ولا تنازلت المعارضة عن كرسي النقد والمعارضة.
لقد جرى القبول بها كما هي، ويوشك أن تكتمل الصورة بخروج قانون تمييز الوظائف السياسية عن غيرها، وهو الذي أعلن الوزير الأول السيد محمد ولد بلال عن قرب إحالته إلى البرلمان.
بدت لي الدولة لأول مرة وهي تعرف جزءا من مواطنيها أن لهم دولة تقر بحقوقهم في مستشفياتها، وبنصيبهم من خيراتها، وتوج لك بإدخال أكثر من 15% من مجموع المواطنين إلى خدمات التأمين الصحي دفعة واحدة. لقد أشاد كثيرون بهذه الخطوة وبقيمتها المادية، وأثرها الاجتماعي، وهي نواح تستحق الإشادة، ولكني لم أر من توقف كثيرا عند بعدها الرمزي. إن الذين استفادوا من تلك الخدمة لم يولدوا أمس، ولا هم مهاجرون قادمون من الخارج، فاين كانت الدولة عنهم طيلة هذه السنوات؟ وأين كانت من آبائهم وأمهاتهم، وهم يتوارثون الغبن كابرا عن كابر.
إنما فعله رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في تلك الأمسية بقصر المؤتمرات لم يكن مجرد توفير تأمين صحي لستمائة ألف مواطن من مواطني بلدنا الذين يصل تعدادهم 4 ملايين. بل هو فوق ذلك احتضان من الدولة لنسبة معتبر من مواطنيها الذين ظلت تنساهم منذ تأسيسها. وهو تكفير عن تجاهل الدولة لمآسيهم طيلة عقود.
ما رأيته بعد هاتين السنتين هو سعي حثيث من الدولة نحو بناء أسس تنمية مستدامة قائمة على توفير الحياة الكريمة للمواطن باعتباره هدفا لأي تنمية. حياة كريمة لمواطن كريم في دولة كريمة تنتج غذاءها، وتأكل من خيرات أرضها، وبحرها، خاصة في سلعها الاستراتيجية ذات الاستهلاك الواسع.
لقد قالها رئيس الجمهورية في مدينة روصو، عاصمة ولاية ترارزة؛ إن أمن الغذاء يأتي مباشرة بعد أمن الأنفس والأبدان والأرواح. وكانت كلماته الصادقة رسالة قوية بلسمت جراحا كثيرة، وقطعت ألسنة سوء كثيرة، حاولت زعزعة السكينة الاجتماعية ببث الشائعات، وأعادت تلك الرسالة الصادقة الصارمة توجيه بوصلة الخطاب، ورسمت أولوياته.
لقد تحولت الدولة في عهد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلى دولة لخدمة الناس، ومعالجة مشاكلهم الحقيقية وتلبية مطالبهم الكريمة. والتفاعل مع قضاياهم بالطريقة التي تجعلهم أهل وطن تخدمهم دولته، وأجهزتها، ومؤسساتها، وليسوا رعايا يمن عليهم ما يقدم لهم، من خدمات، وما ينفق في مصالحهم من جهد ووقت.
لقد أعادت سنتان من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني البلد إلى سكة مسيرة النماء والبناء، وسيصل إلى محطته النهائية بحول الله في غضون سنوات قليلة بفضل الله ثم بالأسس التي أعاد إرساءها نهج التشاور والبناء العلمي الرصين.
ستكون بلادنا على موعد مع ورشات كبرى تحقق بفضلها رخاء اقتصاديا، وسكينة اجتماعية؛ في مجال المياه والطاقة والتعدين والأمن الغذائي، والدبلوماسية الرصينة. ما زلت موقنا أن قرار الالتحاق بالمشروع الذي بشر به رئيس الجمهورية، وباشر في تنفيذه، وإرساء دعائمه كان قرارا صائبا.
قبل سنتين كنت مشغولا بترتيب زيارة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لولاية تكانت إبان الحملة الرئاسية، وأنا أعيد النظر في هذه الخواطر الآن في غمار التحضير لزيارة رئيس الجمهورية إلى ولاية ترارزة، وكنت وقتها مشغولا بالآمال المعقودة على الحملة الانتخابية في إيصال المرشح إلى الفوز، وبتلك المعقودة عليه في إنقاذ الوطن من أوضاعه السيئة، وأنا اليوم أنظر إلى تلك الآمال وقد تعززت، وإلى بعض الأحلام وقد أصبحت واقعا يراه الناس. إنها خواطر من يرى رهاناته تتحقق.
أحمد سالم فاضل