تمهيد:
لقد اتسم المشهد السياسي الوطني بجو من الانفتاح والتهدئة نتيجة تلاقي الإرادات بين فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني والمعارضة، منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة سنة 2019 بيد أن انتخابات 13 مايو 2023 أثرت على هذا الجو، حيث اتسمت جوانبها المتعلقة بالعمليات الانتخابية بوجود اختلالات ونواقص، ندد بها جزء كبير من الطبقة السياسية؛ ومن المؤكد أن الساحة السياسية كانت، وما تزال، في أمس الحاجة إلى ذلك الجو، حيث شكّلت تلك المقاربة قطيعة جليّة مع نمط الحكم الذي كانت تتبعه السلطة السابقة في أسلوب تعاطيها مع المعارضة.
أُساس الاتفاق:
لقد تعاطت المعارضة الديمقراطية المستنيرة والمسؤولة بشكل إيجابي على مدى أربع سنوات مع هذه المقاربة الجديدة، التي تحبّذ الحوار الصريح والبنّاء بين مختلف الفاعلين السياسيين، كما استجابت لليد الممدودة من طرف فخامة رئيس الجمهورية، خاصة وأنه قد أعلن، في عدة خطابات، عن تشبثه بالقيم ذاتها وتبنيه لمشاريع الإصلاح التي دافعت عنها بقوة، وبلا كلل ولا ملل، هذه المعارضة، على مرّ السنين؛ كما تبنّت الأغلبية هذه المقاربة وساهمت بشكل فعّال في إرساء الحوار داخل الطبقة السياسية.
إن هذه القيم والمشاريع تهدف، على وجه الخصوص، إلى تقوية اللحمة الاجتماعية، والحفاظ على الوحدة الوطنية، وذلك من خلال العمل على القضاء على ما تبقّى من ممارسات الرّق ومخلفاته وتسوية ملفات حقوق الإنسان وكافة المظالم العالقة، والإصلاح الضروري لمؤسسات الدولة مع الاستجابة للحاجة الماسة في إرساء الحكم الرشيد، إضافة إلى تحسين الظروف المعيشة للمواطنين، وذلك بتمكينهم من خدمات عامة ناجعة، خاصة فيما يتعلّق بالأمن والتوظيف والصحة والتعليم.
إن هذه القيم ومشاريع الإصلاح تتعلق أيضا بالضرورة القصوى لتشجيع التشاور بين الشركاء السياسيين حول كافة القضايا الوطنية الجوهرية.
ثم إن تجسيد هذه الرؤية بات مطلبا ملحّا لكل القوى الوطنية التي تصبو إلى حكامة رشيدة ومحاربة جادة للفساد وتكريس للحريات.
وقد أدّى التقارب في وجهات النظر بين السلطة والمعارضة حول لُبّ هذه الموضوعات الوطنية إلى إبرام اتفاق بين الحكومة والأحزاب السياسية بتاريخ 26 سبتمبر 2022، بغية تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، والتي هي وحدها الكفيلة بمنح المنتخَبين ثقة المواطنين بوصفها شرطا لا غنى عنه لمشروعية تمثيلهم.
وانطلاقا ممّا يتقاسمه الطرفان من انشغال بمستقبل موريتانيا، جاء الاتفاق المذكور في سياق وطني حساس، يتطلب من كافة القوى الوطنية المسؤولة التصدّي للتصرفات الهادفة الى جرّ البلاد الى عدم الاستقرار، بل وحتّى إلى الفوضى.
ولئن كان لذلك الاتفاق ما له من أبعاد ايجابية، فقد كشف لاحقا تطبيق بنوده المتعلقة بالعمليات الانتخابية عن اختلالات ونواقص ندد بها جزء كبير من الطبقة السياسية، مطالبا بإصلاح النظام الانتخابي.
ولا شك أن ما حصل من خلاف بين القوى السياسية بعد انتخابات 13 مايو 2023 يأتي في الوقت الذي يتعرض فيه العالم لتداعيات التغيرات المناخية، والذي تحشد فيه شبكات الإرهاب قواها وينتشر تهريب المخدرات، وتنمو وتتنوع مختلف الجرائم العابرة للحدود في محيطنا الجغرافي، ويُضاف إلى مصادر القلق الشديد هذه حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن السائد في المنطقة، حيث تنتشر الاضطرابات والأزمات المفتوحة، على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وذلك في سياق أزمة دولية حادة تتميز، على الخصوص، بظهور بوادر شبه حرب عالمية.
خارطة الطريق:
إننا نحن الأطراف الموقعة، العاقدون العزم على مواجهة هذه التحديات والمخاطر المتعددة:
1 – نؤكد مجددا تمسكنا الراسخ بالمحافظة على استقرار وأمن البلد، وذلك من خلال إرساء نظام قوامه العدالة الاجتماعية، وسيادة القانون والتشبث بالمُثل الديمقراطية؛ وإرساء تنمية مستديمة.
2 – نعتبر أن الأغلبية والمعارضة هما الفاعلان الرئيسيان في كل نظام ديمقراطي، وأنهما يتحملان، كل فيما يخصه، المسؤولية السياسية والأخلاقية عما يمكن أن يتعرض له البلد بسبب انعدام الرؤية وغياب البصيرة لدى فرقاء العملية السياسية؛
3 – نقرر التغلب في هذا الظرف الدقيق على خلافاتنا، خدمة للمصالح العليا للبلد، وتجنبا للمخاطر التي قد يتعرض لها جرّاء الانقسامات العقيمة والهدّامة بين مكونات الطبقة السياسية؛
4 – نعتزم القيام، على وجه الاستعجال، بدراسة معمقة لمنظومتنا الانتخابية، وإذا اقتضى الحال الشروعَ في الإصلاحات المناسبة بما يعزز نظامنا الديمقراطي، بغية تجاوز الوضع المترتب عن الانتخابات الأخيرة وضمان تفادي أي خلاف انتخابي في المستقبل؛
5 – نُعرب عن إرادتنا المشتركة في إجراء الإصلاحات الأساسية الضرورية لصون الوحدة الوطنية وتعزيزها، وترسيخ قيم الديمقراطية ودولة القانون، وتتعلق هذه الاصلاحات بتحقيق العدالة الاجتماعية والحكم الرشيد، والعمل على تحسين الظروف المعيشية لمواطنينا الذين يعانون جرّاء الأزمة، فضلا عن مخلفات الأوضاع الناجمة عن عشرية النظام السابق؛ وسيتم إجراء هذه الإصلاحات في إطار وطني شامل يطبعه التشاور، على شكل ورشات، اعتمادا على قائمة الموضوعات المدرجة في ملحق الاتفاق الذي يشكل جزءًا لا يتجزأ منه؛
6 -نُعلن عن إبرام هذا الاتفاق لإرساء تفاهم سياسي، وطني، جمهوري وديمقراطي، يُدعى «الميثاق الجمهوري»، مفتوح أمام جميع الاحزاب السياسية الرّاغبة في الانضمام إليه، من أجل تنفيذ الإصلاحات المذكورة آنفا؛
7 – سنعمل في إطار «الميثاق الجمهوري» وعلى مختلف الأصعدة وبكافة الوسائل من أجل المُضي قدما ببلادنا إلى المزيد من الوئام والوحدة والتماسك الاجتماعي، بغية تكريس الديمقراطية وتحقيق التنمية والازدهار؛
8 – نتفق على تشكيل لجنة للتوجيه والمتابعة تتألف من ممثلين عن الأطراف الموقعة، للسهر، على تنفيذ هذا الاتفاق في أجل لا يتجاوز شهرين من تاريخ توقيعه.
ملحق الميثاق الجمهوري:
تتمحور الإصلاحات المذكورة في نص الميثاق الجمهوري، بشكل خاص، حول الموضوعات التالية:
1- القيام، على وجه الاستعجال، بدراسة معمقة لمنظومتنا الانتخابية، وإذا اقتضى الحال الشروع في الإصلاحات المناسبة بما يعزز نظامنا الديمقراطي، بغية تجاوز الوضع المترتب عن الانتخابات الأخيرة، وتفعيل المقتضيات القانونية في مجال الانتخابات، وضمان تفادي أي خلاف انتخابي في المستقبل؛
2 – استحداث آلية ذات مصداقية لحل ملفات حقوق الإنسان والمظالم العالقة، والعمل على تسويتها بصفة نهائية، مع الأخذ بعين الاعتبار لما بذل من جهود ولما اتخذ من إجراءات سابقا في هذا الصدد؛
3 – وضع تدابير ملموسة تهدف إلى ترجمة التنوع الثقافي للبلد وإبرازه في الفضاء العام، لا سيما على مستوى وسائل الإعلام والبرامج التعليمية والأنشطة الرسمية، وتفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة باللغة العربية، مع الاعتراف بقابلية اللغات البولارية والسونينكية والولفية للولوج إلى مرتبة لغات رسمية؛
4 – السهر على تفعيل وتطبيق المنظومة القانونية التي تُجرم الممارسات الاسترقاقية والعنصرية وغير المنصفة في حق الفئات المغبونة، وكذا الخطابات المُحرّضة على العنف والغُلو والتطرف، والعنصرية والكراهية، وإنشاء آلية وطنية للتكفل بضحايا الممارسات المذكورة أعلاه وإعادة دمجهم في المجتمع، بما في ذلك اعتماد وتنفيذ سياسات وطنية ناجعة من شأنها تقليص الفوارق الاجتماعية، ممّا يُفضي إلى تمييز إيجابي لصالح هذه الفئات؛
5 – تطبيق مبدء المساواة وتكافؤ الفرص بين عموم أفراد الشعب، في كافة المجالات وعلى جميع الصعُد، وتكريس المساواة بين الفاعلين الاقتصاديين أمام المرافق الإدارية؛
6 – محاربة ارتفاع الأسعار من خلال اتخاذ التدابير المناسبة، التي من شأنها أن تحمي، بشكل مستديم، القدرة الشرائية للمواطنين؛
7 – وضع آلية فعّالة للتعبئة الوطنية من أجل بلورة ودعم اصلاح عقاري يهدف الى النهوض بالزراعة وتعزيز السياسات الرامية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي، بوصفه قضية سيادة وأمن قومي؛
8 – ترقية ا اللامركزية والحكم الرشيد في مجالات تسيير الشأن العام، والإدارة والمالية العامة، من خلال تعزيز الآليات الوطنية لمكافحة الرشوة وتطبيق ترتيباتها بفعالية؛
9 – الحرص على تطبيق مخرجات المشاورات الوطنية حول إصلاح التعليم، وتكاتف جهود القوى الوطنية من أجل ضمان نجاح المدرسة الجمهورية؛
10- السهر على تطبيق مخرجات المشاورات الوطنية حول إصلاح العدالة؛
11 – التقيد بالفصل الصارم بين الوظائف السياسية والوظائف الفنية، والمضي قدمًا في النأي بالإدارة العمومية عن المعترك السياسي والتنافس خلال الاستحقاقات الانتخابية
12 – العمل على النهوض بالأحزاب السياسية لتمكينها من الاضطلاع بمهامها الدستورية، ومراجعة وتطبيق النصوص القانونية والتنظيمية التي تحكمها؛
13 – العمل على النهوض بالقطاع الخاص والمجموعات المحلية والمجتمع المدني والصحافة والنقابات ولتمكينهم من لعب أدوارهم كفاعلين رئيسيين في تنمية البلد؛
14 – العمل على إقامة حوار اجتماعي مستديم بين الشركاء الاجتماعيين، والسهر على حماية حقوق العمال؛
15 – وضع استراتيجية وطنية متكاملة لحماية الأطفال والشباب من تعاطي المخدرات ومن الانحراف والعنف، والعمل على معالجة البطالة والتصدّي لظاهرة هجرة الشباب؛
16 – السهر على توفير المزيد من التمكين لصالح النساء والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، والعمل على دمجهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلد، بما في ذلك وضع وتنفيذ سياسات ناجعة في مجال التكوين المهني المؤهل.
17 – إنشاء صندوق سيادي يُمول من إيرادات المحروقات، ويخدم التنمية الاقتصادية المستديمة والمتوازنة للبلد، ويحافظ على مصالح الأجيال القادمة؛
18 – العمل على رصد واستنهاض الخبرات والكفاءات والاستثمارات لدى جالياتنا في الخارج لصالح الوطن.